المشهد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المشهد

فنون مسرحية - سينمائية - نقد


    بلادي يا قرصاً ذهبياً يعوم

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 7
    تاريخ التسجيل : 12/04/2010

    بلادي يا قرصاً ذهبياً يعوم Empty بلادي يا قرصاً ذهبياً يعوم

    مُساهمة  Admin الجمعة يونيو 18, 2010 1:36 pm

    مونودرامــا


    ( بلادي يا قرصاً ذهبياً يعوم )


    تأليف : نضـال محمد أحمد


    إضاءة على شكل بقع على المنصة , حيث تترامى أشياء مهملة على شكل يشبه تلة من الأشياء . بقعة في وسط المنصة , بينما المكان معتم , وهو يقف لفّاً ذراعيه حول نفسه ورأسه ملويّ للأسفل بين كتفيه في منتصف المنصة .

    تفتح الإضاءة على منتصف المنصة وتنسحب من أماكن تواجدها الأخرى , لنراه يفك نفسه من جسده المختلط بطرحة عرس , ثم يفتح طرداً مغلفاً بعناية .... أرواب بيضاء معلقة فوق البقعة كقبة ... مع الإضاءة نلحظ أن المكان مستودع قديم . وحين يبدأ بفك جسده من جسده , نسمع أصواتاً مكتومة لحركة قطارات , وحركة سيارات كثيفة وكأنه على مقربة . يوجد شارع عام حيوي , بالإضافة لأصوات لغط ...
    كمن يستخدم يديه لأول مرة , يبدأ باتخاذ الوضعية التالية : كفه فوق عينيه كمن يحاول الرؤيا لبعيد ويحمي عينيه من ضوء شديد أو يحاول التمييز بالظلام , ينتفض كمن رأى شيئاً ويبدأ بالتلويح بيديه وهما مرفوعتان للأعلى , ومن ثم يفتح يديه كمن يستقبل شخصاً عزيزاً عليه , يلفّ جسده بيديه كمن يحتضن شخصاً ما . فرح مفتعل ويستمر بالدوران ... يتوقف , يرجع خطوتان الى الوراء , يفتح يديه مستغرباً ..

    - ماني مصدق .. ولَك كيفك ؟ .. ( يمسك رأسه وبيديه ) .. مامعقول ... ما معقول ..
    ( يصرخ )... لاااااا ....

    يبدأ بهذيان غير مفهوم , ينهض كمن تحركه قوة جارفة لا يستطيع الفكاك منها . يمسك قبته بيده ويرفعها , وكأن أحد ما يلتقطه بها , يرتمي للأمام بعنف وكأن أحدهم دفعه بقوة , يسقط محدثاً دوياً مفتعلاً , مع سقوطه ينظر باتجاه يسار المنصة مع التفاتة , تمتد مساحة الإضاءة بجهة واحدة هي جهة اليسار مع صوت باب حديدي يفتح بنفس الوقت ...

    - hay , ياأخ .. يا أخي .. تافاريش .. أعتقد أن هذا تعبير مناسب أكثر , أليس كذلك؟!.. hay .. أظن انه عليك اللعنة .. أنت لا تفهم .. أنت لا تريد أن تفهم ... أيها الممسوس .. معلمك ممسوس أكثر منك .. معلمك كان يستجدي التفاتة مني في تلك البلاد البعيدة التي لا تعرفها ولا تود أن تعرفها ... وأنا شخصياً أخجل حين أتذكرها ... نعم .. نعم كان يستجدي التفاتة مني أنا الحقير ... حقير ! ! ... قسماً بالله معلمك حثالة ويعجز لسانه كما تعجز ذاكرته عن نعتي بالحقير ... أو بالحثالة .. نعم
    يا أخ .. نعم .. كان يستجدي .. القلم .. كان لدينا بائع للكعك . كان معلمك ينتظر التفاتة يميناً أو يساراً مخاطباً أقراننا ليغافلهم .يمسح بضربة واحدة منثور الكعك بكفه الصغير المتسخ بخفة وحنكة ويدسها بفمه , بينما يده الأخرى تداعب قروشاً معدنية نحلم بامتلاكها ... هذا معلمك .... أيها الممسوس , عُد إلى هنا .. أقول لك عُد إلى هنا ....

    (صوت باب حديدي يغلق وأقدام تبتعد .. الإضاءة إلى يسار المنصة تختفي مع صوت إغلاق الباب , كأن شيئاً ما دفعه ليتوسط البقعة )...

    - hay … hay .. بلاد ... ( بثقة مفتعلة ) .. أريد السفير حالاً ...

    (صوت كوة حديدية تفتح وإضاءة شاحبة تمتد إلى يسار المنصة مرة أخرى . يتصعّر وجهه وتكاد الدموع تطفر من عينيه)

    - بربك لا تكن قاسياً .. ألا تفهم .. إنه بشكل من الأشكال صديقي . صحيح كان ولا يزال ينسعر من لقب أبو مخطة , لكن في عمقه يتقبله .. صدقني .. لا تغضب. تلك هي حقائق الأمور , ألا تحبون الحقائق .. هذه هي الحقائق .. ( يعود ليقف بثقة مفتعلة ) ... قُُل له .. مجد يود أن يراك .. قُل له الأمر لا يمكن إصلاحه وهذا نهائي , ولكن لنتصرف كرجال .. نعم كرجال .. قُل له .. لنوقف هذا المُزاح فوراً ... ( صوت رجل يبصق .. مجد ينكمش .. صوت الكوة وهي تغلق .. الإضاءة الشاحبة تنسحب وتختفي .. يمسح وجهه بكم قميصه) .. . ديشي روفنا !... قذر .. ستعود إلى هنا أنت ومعلمك , لا تنس نظرتك وأنت تسير وراءه , سأذكرك حينها بكل ما فعلت ... hay .. عُد إلى هنا .. عُد .. أرجوك .. أُقبل يديك ...

    ( صوت وقع خطوات تبتعد , صوت عميق لباب يغلق ومن ثم باب آخر .. وآخر وآخر مع صدى , ينهار ويبدو كمن أسقط في يده .. بفحيح ...
    ..لا .. لا .. هل يفعلها ويرميني هنا وحيداً؟.. بعد كل ما فعله .. جردني حتى من إخوتي . أيصل به الموصل إلى هنا ؟!..
    كان يزعجه تعبير انتهازي .. ( بثقة مفتعلة ) ... إنه تعبير مزعج , معه حق , خصوصاً حين يردفه المرء بوصف عريق .. ولكن ليس إلى هذا الحد .. لا ليس إلى هذا الحد ...

    ( يبدو كمن أصيب بمس من الجنون .. يمسك بصحن معدني مهمل ويرميه إلى يمين المنصة , نسمع صوت ارتطام معدني , لثوان يبدأ صوت قفل يُدار , يتحول إلى آذان صاغية , صوت باب يُفتح , إضاءة عامة شاحبة على المنصة , ملابس بيضاء طويلة معلقة ..) ..

    - لحظة يا رجل ... لحظة .. ( بذل شديد ) حدثني قليلاً .. أُقسم إنني لن أحدث ضجة مرة أخرى ... سامحني .. سامحني .. أرجوك أن تسامحني .. ( يبتسم بذل ) ..إن سامحتني يتوجب عليك مساعدتي بحل المعضلة .. ( ابتسامة أخرى مفتعلة ) ... أيّة معضلة ؟!.. لستَ الوحيد الحامل لحرف الدال في هذه البلاد , أم أنا مخطئ ؟!.. سأحدثك بالأمر ولا تخشى أي لبس. سأثبت لك أنني لست بحاجة إلى أي نوع من التأهيل .. هل تسمعني؟!..
    ( صوت الباب يغلق , تعود الإضاءة لتتوسط المنصة , ينحني ويهبط على ركبتيه. وكمن يرى شيئاً صغيراً يتحرك , يرفع يديه ويهبط فجأة بجسده على الأرض .. ينهض وفي يديه قطعة خبز جافة وسميكة , يضربها بالأرض فتبدو متحجرة يرميها بحنق , يلف جسده بيديه كمن يعانق نفسه , يهبط رأسه بين كتفيه ويسقط على ركبتيه )..


    إظلام






    ( تفتح الإضاءة على وسط الخشبة , يبدو منهمكاً بقضم قطعة خبز يابس ويحاول التكور موحياً بشعوره الشديد بالبرد ... ) ..

    الكهرباء في الرأس قاتلة .. مثل الهالابالادول .. تلك أشياء لا أحب تذكرها , لكن الكهرباء تحديداً قاتلة وخصوصاً حين توصل إلى مكان حساس بعض الشيء كالصدغين ... حتى الطائرة بحاجة إلى كهرباء ... كان من المفروض أن تقلع البارحة ... إذا كنت دقيقاً أكثر منذ شهر أو أقل , أما إذا بحثنا عن الدقة , فإنها لن ولم تقلع أبداً .. هكذا هو الأمر ... على أية حال هناك دفء يمكن للمرء أن يستمتع بتذكر متعته ... شمس !!! .... يحلم بها هؤلاء ولا يدركها أبو مخطة جيداً وإن كان كما يبدو لم يعد بحاجة إليها , ربما تشعره بالإهانة .. على أية حال ... حتى الصحبة لها نفس المنوال ... كنت ... كنت سأتوسطهم وشفتاي لا تنطبقان كما أن لساني لا يدخل حلقي ... نساء .. نساء ... نساء .. إيلينا .. آلّا .. إيرينا .. إنهم يحبون سماع قصص النساء ...

    أهانه أن تكشف ساقيها أمامي بمثل ذلك الحماس .. آلّا الجميلة .. ( يجسد جلستها ) ..ومن دون جواريه , وقفت في حلقه .. أهانه ثلاث لوحات حظيت ببعض الإعجاب .. أهانه خبر عنها في صحيفة تصدر أكثر من مرة في اليوم الواحد وتطبع آلاف الأخبار كهذا الخبر .. قال : الاتفاق أن تبقى في عملك ..
    قلت : يا أبو مخطة يا عزيزي ..
    ليس هكذا تماما , بل قلت .. ياأستاذ ماشأنك بالأمر .. كذلك الأمر ليس هكذا تماماً ..
    قلت : يا أستاذ ما يضيرك بالأمر ؟!؟..
    قال : يؤثر على عملك .. أتيت إلى هنا بعمل وعليك إنجازه ..

    نفس اللحظة وكأنني أراه تحت حائط المدرسة حاملاً قطعة معدنية مأخوذة من علبة صفيح على أنها سكين ويضعها في وجهي قائلاً : ليس هكذا .. اتفقنا. لقد أخفيت ورقتك طول فترة الامتحان وقلت حينها : نحن لم نتفق على شيء .. وقال : لقد حميتك البارحة في عراكك .. وكانت حادثة سخيفة لم يكن له شأن بها، وأحدٌ لم يطلب منه التدخل ..

    نفس تلك اللحظة احيت مرة أخرى وانتعشت مزدهرة في قلبي ..
    قلت : هناك وقت ينتهي عملي به ..
    قال : وآلّا ؟!..
    قلت : ما شأنك بها ؟ ..
    قال : إنك تنسى أختك ..
    حينها صمت ... ليس صمت الحكيم تماماً , بل كان صمتاً من النوع المطبق ....
    إنهم يحبون سماع قصص النساء .. أما هما .. أبي وأمي .. وخصوصاً أبي , وتحديداً بعد أن لاقى ربه أو حتفه كما تشاءون , فأب متوفٍّ يلقي بظلال وارفة على العائلة أهمها ضياع الرأس ومصدر الطاقة , أقصد المال .. على أية حال فهما يودان سماع قصص من نوع آخر , مثل الوصول الى المبغى , لا أقصد ما يبدو عليه الأمر , بل الوصول إلى الهدف ... الانتصارات التي لم ولن ينجزها أحد ممن أعرفهم أو سأعرفهم كما يتخيلونها ... في الأمر صعوبة خصوصاً حيث تحادث ظلال أب متوفٍّ على عائلة ونظرة قلقة في عيني أم قلقتين على الدوام ... تلك النظرة .. كم أمقتها !...

    ( ينجر الى غضب دفين .. يقف متلافياً اندفاع الحزن إلى رأسه .. ينظر حوله كمن يبحث عن شيئ ما , يرى برميل صدئ يجره بصعوبة , يضعه في المنتصف يزيل الأوساخ عنه بشكل أخرق .. )
    - هي تجلس هنا .. وهم أقصد أخوتي .. هنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا ..... إلى آخره ...
    ( يتوقف عن الدوران حول البرميل , وبخفة يستوي جالساً عليه , يضع كفه على عينيه كمن ينظر متفحصاً في البعيد ويتقي ضوءاً شديداً أو يبحث في الظلام .. ينتفض وينزل عن البرميل كمن وجد ضالته , ويندفع لعكس المكان الذي كان ينظر إليه خارجاً عن دائرة الضوء ليعود إليها وهو يحمل عرق نبات أخضر ربما شوكي يعقده كدائرة , ويعود للصعود بخفة على البرميل , يرفع يديه للأمام حاملاً العرق الخضر على شكل دائرة كالإكليل أمام جسده , صوت موسيقى كلاسيك مناسبة / كارمينا بورانا ربما / باحتفالية , يضعه على رأسه وينفجر ضاحكاً ... )

    قبل أن تصلبوني .. أقصد قبل محاكمتي , اسألوا أنفسكم , لو كنتم مكاني , ماذا كنتم ستفعلون ؟.... ( يتفحص وجوه الجالسين وينفجر ضاحكاً ) ... هاهاهاها .. انظروا إلى أنفسكم بالله ... الحيرة على وجوهكم بالكاد تغطي جوع عيونكم لأفخاذ النساء ,,, فلمَ لا أكون جائعاً من جملكم لا يلام لائم في قول حق .. ليس هكذا تقال ! .. على كلٍ .. على نحو ما هي كذلك .. ولكن المدهش بالموضوع أن المشكلة ليست هنا وإن كانت سبباً مهماً في تفجير قضية شائكة .. آ .. لا أود الحديث عنها إلا إذا اعتبرت نفسي مازلت واحداً منكم , وهذا أمر صعب .. في الحقيقة .. أمر صعب .. فالقيم ... ( يصمت للحظة ويجمد في مكانه ويندفع قائلا وهو يسقط عن البرميل ) ... ما هي القيم ؟ .. القيم نسبية ... من منكم يحتمل الخروج من تحت الماء البارد إلى الساخن وهو يبتسم ودونما حروق تلتصق بالجلد للأبد كاللون , كالبشرة السمراء أو الصفراء, هناك عرق رابع , نعم هم محترقو الجلود , وبالخصوص إذا كنت من الرعاع من أمثالي ... ( يضحك بجنون ) ... كاس الشباب .. كاسكن شباب .. ( يعود للصعود إلى البرميل ) ... لا أخفيكم سراً إذا قلت لكم إنها منذ اللحظة الأولى ارتمت نظرتها البكر في عيني , في قعر قلبي وحركت دوائر ماء مستنقع آسن , الذي فيه رائحة نتنه وصلت إلى أنفي إذا أردتم , .. أقصد لست الوحيد ولكن أنا أول من اشتمها .. ( ينظر ما بين فخذيه ) ... عيب يا ولد .. هكذا قلت لنفسي أما هي فاستدارت وواجهتني كاشفةً عن ساقين اعتقدت أنهما شديدتا النعومة وربما كنت مخطئاً , أو كنت مخطئاً لأنني اعتقدت أنهما شديدتا النعومة ولكنهما كانتا شديدتي النعومة وبقيتُ اعتقد أنني على خطأ فمثل تلك الساقين ليستا ناعمتين سوى بالملمس ....( إضاءة أقوى , ورعب على وجهه, يضع البرميل بشكل مستلق ) ... لقد وضع رأسه في مسدسي .. أقصد مسدسي في رأسه .. أقصد مسدسه في رأسي هكذا تماماً .. ( يبحث حوله .. يخرج عن دائرة الضوء ويعود حاملاً عصا , يضع العصا تحت إبطه وقدمه على البرميل المستلقي بوقفة صارمة ويتكرر ذلك خلال إلقائه جمل أبو مخطة ) ... نعم .. جملة قصيرة .. أو حديث قصير .. وفقط .. وكانت النهاية ....( يضع قدمه على البرميل ).. قال : أنا لست كما تظن .. وأراد أن يقول لي : أنا لم أعد كما كنت تظن أو كما كنت تظن وأنت تظن , ولم أقل شيئاً ... (قدمه على البرميل ) ... فقال : ليس أنا من يظن تافه مثلك أنه انتصر علي .. وهو أراد القول : لسنا على مقاعد الدراسة وعيناي تبحثان عن شهامتك الجربانة .. ولم أقل شيئاً .. (قدمه على البرميل ) ..فقال : أستطيع سحقك كما أسحق صرصوراً حقيراً , وحرك قدمه كأنه يسحق صرصوراً فعلاً , لم أدر إذا ابتسمت أو ارتعشت , ولكنه أردف قائلاً : ( يضع قدمه على البرميل ) .. يبدو أنك لم تفهم ... قلت لك دعها وشأنها .. سأريك .. سأجعلك تتمنى لو لم تقبل قدمي للقدوم إلى هذه البلاد ؛ وأحد لن يسمع بك ... صدقني حتى أخوتك لم يعودوا يودون سماع أخبارك .......
    ( يقفز إلى الجهة الأخرى ويواجه المكان الذي يقف فيه رامياً العصا بعيداً ) .. اسمع إن كنت تظن أنك جمعت بكفك خيوط جوعهم وحرمانهم وسقتهم إلى أهوائك راغبين أو غير راغبين فإنهم سيكونون الجحيم بالنسبة إليك إن فعلت لي شيئاً ... ما بالك تصمت ... هيا قُل .. أيها النذل إلام تلمح ؟ .. أتقصد أنهم باستطاعتهم إخراجي ويعدلون .. أعتقد أنك محتال مختال حقير ... نذل .. تفو ... ( بهدوء ) .... كان من المفروض أن تقلع طائرتي في وقت ما ... ( يعيد البرميل إلى وسط المنصة حيث البقعة فيتوسطها أيضاً ) .. كنت سأصل وسأحدث إخوتي عن كل ما رأيت ... ربما ليس عن كل ما رأيت , فلكل شيء وقته وأصحابه ولكن لو كانوا هنا !!... ( ينتفض ) ...لجلسوا هنا ... وهنا ... وهنا .. وهنا .. إلى آخره ... (يستوي جالساً على البرميل ) ... حين طُلب منه عمل لي في بلاد ما وراء أعالي البحار سألني إن كنت قد أنهيت دراستي .. بالكاد استطعت التغلب على نوبة ضحك عارم كادت تودي بأحلامي .. وحين لحظت وجهه الجامد قلت حينها لقد تغير شيء ما ؛ هل نسي ؟ أم أنه فاقد الذاكرة ؟ وجمود وجهه الذي بدا غير مهم بالنسبة لي في تلك اللحظة , كان شأناً مهماً , كان علي أن أتوقف عنده , وفجأة أتت أمي !.. أمي .. أمي .. أمي ... حسناً , أتت واستوت جالسة هكذا ( يقلدها ) ببسمة طافية على وجهها .. بسمة على وجهها .. تلك البسمة ! .. تجلس هكذا , وقبل أن تبدأ حديثها تجلل محدثها بنظرة تسكنها كل ثقتها واطمئنانها .. وآمالها !...
    - الله يوفقو لأبو عزيز متل ما دبرك وبعتك تقرا .. وبادرت بسرعة بردودٍ أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه حفاظاً لِماء وجه أمي ... فهذه شتيمة بالنسبة لأبو مخطة الذي يرى أن الأمر لم يتم على هذا النحو بل كان هناك صفقة ما .. ضغط فيها على أبو شيطان لا أدري ماذا .. واضطره لمغادرة البلاد .. ذلك ما كان يرويه حسناً .. أتت أمي .. قلت : خالتك بتعزّك .. وقلت : مالا أدري ما هو وبقيت أقول حتى استطالت شفتاه على ما يشبه الابتسامة ..وأتت أمي .. قالت : ( يأخذ وضعيتها من جديد ) ... دون إخوته جميعاً لم يرد إكمال دراسته .. مازال هذا الأمر يقلقها .. ربت على كتفي ليس مبتسماً بل " تجعلك وجهه على نحو ما لم أعهده من قبل " وقال " فوراً .. ( يأخذ وضعيتها ) ... دون إخوته جميعاً لم يرد إكمال دراسته .. لم يوقف قلقها القديم على مصير إخوتي اندفاعي تجاه مصيري ... إخوتي يجلسون بثقة عمياء وجيوب مثقوبة , جائعون لكل شيء في الدنيا , لكل ما هو موجود في الدنيا , لقد تحول مثقفوها إلى معلمين فاشلين من الدرجة الأولى , معلم نجارة باطون مع ديسك أودى بقدمه اليسرى .. وإجازة في الرياضيات ... ومعلم نجارة بأربع أصابع في كل كف وإجازة في التاريخ .. معلم .. معلم .. معلم .. وأنا معلم على طريقتي .. لم أقطع أصابعي في منشار حديدي أو أخرجت غضاريف عظامي من مكانها .. كل ما فعلته أنني أردت رحمتهم ورحمة نفسي .. تعلمت باختصار كيف يصنع ذلك القرص البهي البني اللون الذي يطفو على سطحٍ يغلي ويبدأ بالإسمِرار حتى تصبح رائحته من القوة بحيث لا تستطيع أن تحول دون إخراج قطعة نقدية من فئة العشر ليرات وتدفعها ثمناً لسندويشة تحتويه على سخافتها تتخذ أهمية خاصة .. .. ببسمتها تلك جلست .. بنظرتها تلك قالت له .. ساعده .. كان من السهل على أمي أن تنسى وتطلب المساعدة من طفل طالما نفرت منه .. وشخص لديه شعور راسخ بالإهانة من كل مما حوله حتى من أقرب أجزاء جسده إليه ... ووافقت .. أقصد وافقت على استجداء أمي .. وافقت وأنا أحمل سرّاً بهياً يتلخص بذلك القرص الذهبي .. أنا أستطيع صناعته ذلك القرص الثمين .. قلت ضاحكاً : الذي كنا نأكله بعد أن نهرب من المدرسة .. أنا لم أكن اهرب من المدرسة وهو كان يحتقر هذا الطعام وإن كان يسرقه بعض الأحيان حين لا يجد أمامه سواه بعد التهامه لحوم تكفي ثلاثة أشخاص ... ساءته الدعابة .. أو قُل أسلوبي ولم يبدو متسامحا ً .. أمي أتدركين ما فعلت بي !؟... ( يقلد أمه) .. وهل لديك حلّ آخر .. ..... .. لماذا لم تدعيني أفعل ذلك بنفسي .. قالت بهدوء حسدك كان سيمنعك .. هل أنا أحسده ..؟؟.. هل هذا هو شعوري .. حتى الآن لا أعلم ربما كان حسداً مختلطاً باحتقار شديد .. إنه خليط عجيب من المشاعر فالذي تحسده تود أن تصبح مثله وأنا أود ذلك ولكن ليس بطريقته أتفهمونني .. انه يشعر بالإهانة على طول الخط ... أنا .. أكره .. الإهانة ... أو قد أحبها .... ( يضحك بجنون)...

    إظــلام




    ( إضاءة عليه تلاحقه خلال بحثه عن شيئ ما .. يتحدث وهو يبحث ... ) ..
    على المرء أن يضع النقاط على الحروف ... وهو أمر يستحق العناء .. لذلك أعتقد انه .. ( ينشل من الركام رداءاً اسود .. يضعه على كتفيه , يبحث أكثر ويجد قبعة سوداء , يضعها على رأسه ) ...أتقعد انه ستجري محاكمة ما .. حسناً .. لتكن على طريقتي .. ( يبدأ برمي أدوات معدنية على الجهتين اليسرى واليمنى للمنصة , فتظهر إضاءة يمين المنصة ويسارها , يركض مسرعاً إلى وسط المنصة فتعود البقعة للظهور .. .. متوجها الى يمين المنصة .. ) .. hay .. .. سنعقد محاكمة ولكن على طريقتي .. ( يتوجه إلى يسار المنصة ) .. الآن .. نعم الآن .. لتكن لحظة مواجهة .. (خلال حديثه القادم يتوجه إلى يمين ويسار المنصة والى الجمهور ... ) ... ماذا ؟ .. ما الفائدة؟... أنت مجرد غبي جاهل ( ليمين المنصة ) .. نعم لنقل محكمة ولنرى من المخطئ ومن المصيب ... لا طائل من وراء ذلك ؟ .. هل تعتقد ذلك ؟... ( ليمين المنصة ) ... ( ليسار المنصة ) .... ألا تظن انه من حقي أن أجري مثل هذه المحاكمة ؟ .. أنتم لا تستطيعون تقدير مدى الضرر والأذى الذي ألحقه بي وبالحق العام ....
    نعم .. أنا بشكل ما أمثل الحق العام .. ما بالك تضحك ( ليمين المنصة ) ... hay ... كفاك قذارة ... ( يسحب البرميل إلى وسط البقعة في وسط المنصة .. يقف وراءه ويخرج مطرقة ويدق بها البرميل )... حكمت المحكمة عليك وعليهم ( للجمهور ) ... بالتعليق من إبهام القدم حتى الموت ... ألا يكفيك ذلك أعتقد انك ستفقد صوابك قبل أن تزهق روحك ... لا تنظر إلي هكذا .. كفى .. كفى .. لا تنظر إلي هكذا .. لا لست مجنوناً .. لدي من العقل ما يدفعني للجنون .. لذلك لا تنعتني بالجنون .. عليك اللعنة .. إن كنت تشك بمبررات مثل هذه المحاكمة لتقف وقفة عزٍّ وتسمع .. لنرتب الأمور .. .. ( يضرب بالمطرقة على البرميل .. ) ... محكمــة !... ( يأخذ وضعية من خلف البرميل – المنبر .. بلهجة خطابية ) ...
    أولاً : أنت أقدمت على تزوير وثائق لي , ليس مهماً إن كنت مستفيداً أم لا .. كل ما هناك أنني تحولت إلى خادم في إصبعك .. أعتقد أن فعلتك تعادل الشروع بالقتل لأنك خططت مسبقاً .. أنت أقدمت على ما أقدمت رغبة بالإنتقام أو لنقل تحت ضغط حاجة نفسية تتلخص بضرورة إهانتي وبالتالي حولتني الى طوطم تهين فيه كل القيم التي فشلت في تبنيها .. هل هذا يكفي .. لا .. اسمع !... اسمع !.. هناك المزيد ... hay… hay ... لا وقت للبكاء .. لا .. لا تستجدِ. أو لنقل انه عليك الاستجداء. أليس هذا من شيمك ؟... ماذا .. من شيمي .. عليك اللعنة ... إذن .. اسمع ...
    ثانياً : حولتني إلى ماسح أحذية أو قل ماسح أحذيتك الخاص بعد يوم واحد من تأكدك من نفاذ نقودي .. قلبت سحنتك وأول ما بدأت .. بدأت بمحاضرات حول ضرورة التأقلم مع الوسط المحيط .. أليس هذا تعبيرك ؟.. نعم فكرتك عن التأقلم تتعلق بتقبيل الأيدي بحثاً عن النجاة .. لو حدث ذلك في بلادنا المشمسة لكان هناك شأناً آخر .. لكن .. لا بأس ... ( يبدو عليه الحزن ) .. يمكنك البقاء عدة أيام بدون طعام ولكن لابد من مجيء وقت تستجدي لأن الموت يصبح بعيد المنال ... أتذكر .. أتذكر تلك الليلة .. كنت تجلس مع آلّا .. وزجاجة شمبانيا تلمع على مائدتك .. حين دخلت جحظت عيناها وحين وقفت مرتجفاً من البرد وعيناي يتابعان حركة يديك وأنت تقضم من الخبز وترمي في بالوعة وجهك طعام كان من الواضح انه لم يكن لذيذاً قبل مجيئي ... حسناً .. أتذكر نظرتها حين بصقت بين قدميك .. أيها الوغد .. ما هي مشكلتك معي .. أقصد مع الحق العام .. نعم .. أنا بالنسبة إليك طوطم وأنت أدرى .. أتذكر ماذا قالت .. ؟!.. أنا أذكرك ... قالت .. شتوتا كوي .. نعم .. قالت ما الذي تفعله .. حتى هي ابنة الجليد يا ابن الشمس المنبوذ استنكرت فعلتك ... ذلك الصباح أتذكره .. نعم يومها .. استيقظت من ليلة حمراء لم ترفع من معنوياتك فرميت جملتك وضحكة غير خافته لم تستطع منع نفسك عنها لأسباب تتعلق بحاجاتك النفسية الغريبة المنشأ ... قلت .. إنني لا أرى حذائي .. أيها المصعوق في رأسك ما ذنبي إم كنت .. ( يغصّ ) .... وهذا ليس كل شيء .. يجب أن تعلم أن فعلتك هذه توازي الشروع بالاغتصاب ....
    ثالثاً : أتذكر سحنتك يوم علمت أنني أدرس بالمعهد الوطني .. أتذكر ما قلت ؟!.. قلت لي .. متى ستتخلص من عقدك .. أيها النذل .. قف .. قف ... إلى أين تذهب .. أعتقد انك تشعر بالخسارة الرهيبة .. لاتهرب .. تعال واجهني .. تعال .. ماذا .... ماذا .. أعطيتني المال؟!... وهل أجري يعتبر حسنة لوجه الله ... ألم أصنع لك تلك الأقراص البهية ؟ .. ما المشكلة إذن ما المشكلة ؟ .... آه ... لقد تعبت ... حسناً ... رابعاً وخامساً وسادساً وعاشراً وأخيراً وليس آخر ....
    مشكلتك انك عدت للهزيمة المرة بعد انتصارات انتزعتها بمالك القذر.... لقد هزمتك بآلّا ... بدراستي بنجاحات لم تستطع أن تنالها سوى بتجارة الدولارات في بلادنا , أنت وأنا نعلم أن ذلك
    مخالف للقواعد ... هل أنا محق بذلك ؛ ربما ليس تماماً .. أعتقد انهم سيدعونك الآن أم أنا مخطئ ؟ ... يبدو انني مخطئ على نحو ما ... اعتقدت أن آلّا برّ أمان وتحديتك بها ... أردت أن تشعرك بالإهانة فاستمالتني مما جعلك مسعوراً لم تدرِ ما تفعله وكان انتقامك ... نعم ... كان انتقامك بعد عام من قدومي إلى هنا ... هل أحدثك عن ذلك .. ( صوت زغاريد .. يمسك صحناً وهمياً ويرمي الرز المفترض ) ... انتقمت حسناً .. حسناً .. يسمون آلّا في بلادي عاهرة .. وأنا أسميها أفروديت على نحو ما ... نعم هي بشكل ما أفروديت .. أما لوحاتي الثلاث التي لم اعد أستطيع الآن تذكرها على نحو جيد لأنك أتعبتني .. نعم .. أتعبتني .. لم أعد أريد محاكمتك ... عليك اللعنة .. سأنفذ حكمي بغض النظر عن قناعتك بجدوى ذلك .. ماذا ؟... أعتقد أن الأمر بلا جدوى .. نعم بلا جدوى ... لم علي الانتقام ... سأدع ذلك للأقدار أنت وحظك ... من الآن حتى الممات.. ولتبقى إبهام قدمك قيد الجاهزية ... أظن انه عليك اللعنة أنت وإبهامك اللعين هذا ... hay…hay .... أين أنت .. أين أنت ... لقد ذهب .. هل كان موجوداً بالأصل ؟!... أعتقد أنه موجود بداخلي .. لقد تحول إلى طوطم .. حتى بالنسبة لي طوطم وأود إهانته باسم كل القيم التي استأنست عيشي خلالها ... أو لنقل ربما توهمت وجودها .. حتى إخوتي لم يعد يهمهم أمري ... هل تفهموني ؟!... ( يتجه لليمين .. ينطفئ النور ... ) .. هل تفهموني ( يتجه لليسار ينطفئ النور ) ... لن أخرج ... لن أخرج ... ني خوتشش .. أنا مضرب عن عن الطعام ...

    إظـــلام




    ( يبدو عليه الهزال والجوع الشديد , يقضم من قطعة الخبز .. أصوات أبواب حديدية تفتح بقوة وبشكل متتالي .. لانميز إن كانت تفتح أم تغلق ... ) ..

    لا .. لا والله .. اسمعوا .. لن أخرج .. قولوا له .. قولوا له ني خاتشو .. تي خوتشش ؟.. تعال أنت لنعقد اتفاقاً .. ستأتي إلى هنا ككلب معقور بل كقملة مفروكة هل تسمعون ... ( الأصوات من جديد ) ...
    Hay… hay… ... عليكم اللعنة .. توقفوا. أنتم قوم لا تعرفون المزاح أو المجادلة .. أنتم لا تفهمون بالتجارة .. عليكم المساومة على الأقل .. ( يقف ) ... عليكم اللعنة أنا أ}كد .. ني خاتشو .. أنا لا أريد ! .. هكذا .. أنا قوي أنا صانع القرص الذهبي .. تتلمظون أليس كذلك .. لايهم .....

    ( يُحضّر مكان يشبه بسطة فلافل ساذجة يبدأ بالإنهماك في صنع أقراص الفلافل .. ) ..... تشتيري .. دا .. تشتيري .. ني خوتشش ؟؟.. دا.. دا...
    جاء بعد عامي الأول وقف يرقبني من بعيد .. كنت أراه بطرف عيني .. وقف يتملاني كامرأة عارية .. وأنا أصنع الفلافل ... حين اقترب مني استشعرت خطراً واجماً .. وقف كأب رحوم .. باركني ورمى جملة .. اتصل بأهلك .. وغادر ..وبما أنني لم أكن أستطيع الاحتفاظ بالمال بحثت في جيبي المثقوبين وأنا ألعن ما يخبئه لي القدر ..
    ( يتجه الى هاتف مفترض .. يبحث في جيوبه عن قطعة معدنية .. يكتشف واحدة مفترضة .. يمسكها بطرفي إصبعيه مبتسماً .. ويضعها في الهاتف المفترض ... ) ...
    ألو .. ألو .. مرحباً . هذا أنا .. أمي .. كيفك .. كيف أحوالك .. أصنع ؟!؟.. ماذا أصنع ؟؟.. أنا أصنع الفلافل !.. لا يكفي !؟؟.. نعم أنا أدرس .. الفن ... ماذا ؟؟!.. نغصت عليكِ فرحتك ؟؟.. إذا سأترك الفن بل قولي تركته ... ماذا ليس هذا ما تقصدينه .. ألا تودين أن أدرس الطب ؟؟... إذا سأدرس الطب ما المشكلة .. حسناً .. أنا طبيب يبيع الفلافل ,, وسأبقى أبيع الفلافل .. أَخرس ؟!.. بعد هذا الغياب ... حسناً سأدعك تتكلمين .. ولكن قولي لي ما هي فرحتك التي أنا سببها .. ماذا؟!؟؟؟... ( يقف مصعوقاً وفجأة يقفز .... يزغرد .. يبدأ برش الأرز من صحن مفترض في يده .. يرقص .. يدبك ... ) ....

    مبروك .. مبروك .. أخيراً انفتحت طاقة القدر .. بجلالة قدر و أصرّ ومن كل بُد أن يتزوجها ... ( يبدو حزيناً ).. ..تزوجته أختي .. لقد أرسلت إلى صديقي أو معلمي أو أبو مخطة كما تشاءون .. الى بلادنا كزعيم قرطاجي انتصر في حربه على العفاريت الزرق والأمراء الكذابين ... وهاهو يعود بحبيبته التي لا أدري متى أصبحت حبيبته .. يحملها كقيثارة .. هي التي كانت تشعر بالغثيان منه وأصبح اسمها هيلين .. من عفراء الى هيلين .. والمغيظ بالموضوع افتخاره بعيونها الزرقاء .. وأمي تَزِفُ لي خبر زواجها منه ... صديقي المفترض الذي لا يريد أن يكون صديقي في تلك اللحظة بالذات ... الصديق المنبوذ فترة طويلة من العمر .. يطلق عليها عادة تعبير الطفولة وريعان الصبا .. تزوجها .... ( يقف ) ... أختي انضمت الى مملكة جواريه كأمير بدوي ... .. ألو ... ألو .. نقطع الخط .. يا أمي عليكِ أن توقفي الأمر .. ألو .. انقطع الخط .. نعم كان علي أن أشرح لها أن الأمر ليس كما تظن أو تدرك ولا تريد أن تدرك .. نعم كان علي أن أشرح لها انه سافل كبير التصق به شعور بالإهانة حد الإدمان .. حد الانسحاق .. انه المرابي الكبير ...انه الانتهازي الأكبر قدراً في حياتي .. لم اكن املك كبيكاً واحداً .. كانت أختي تُساق إلى مشنقة لَذّته وأنا لم أكن أملك كبيكاً واحداً كي أوقف المهزلة .....

    تزوجته ... ( صارخاً ) ... تزوجته .. تزوجته ... أختي لن تخونه .. طوال حياته لم يثق حتى بنفسه .. أختي يعرفها جيداً .. والي بتعرفوا أحسن من اللي ما بتعرفو ... قذر كل من يحيطون بك لا تحترمهم لأنك تشعر بالإهانة لوجودك بينهم ... أختي ببطن منتفخ .. اختي أم لطفل يدعى بافل .. ميوله اليسارية المبكرة مازالت تراوده حتى وهو يتاجر بمصائر شعوب بأكملها .. الشيطان وحده يدري لماذا .. أختي .. أختي .. أختي ...
    لن أخرج .. أقول لك لن أخرج ... ( يهدأ خلال ذلك شيئاً فشيئاً ) ... لن أخرج .. لن أخرج .. حتى ينحني ويستلقي على الأرض ...( يقف ويرمي الإكليل عن رأسه .. بعنف وحقد ) ...


    إظــلام




    ( إضاءة عامة على المنصة .. وهو يبحث في الأشياء المرمية .. يخرج جاكيت يبحث في جيوبه الداخلية فيجد ربطة عنق "ببيونة " يلبسهما ... خلال ذلك يقول .. ) ...

    هل عليّ أن أقول لآ .. لأ .. انني كاذب ؟
    هل علي الاعتراف للصحافي أنني رسام سارق ؟
    هل علي أن أبارك هذا الزواج ؟ ...

    أخجل من العودة الى بلادي .. ولِمَ أعود .. أمي ليست أمي .. وأبي المتوفى مازال أبي وليس أبي ... أخي لم يعد أخي .. والآخر كذلك والآخر كذلك والآخر كذلك .. أما تلك السمراء التي لم أقبل غيرها فلقد تزوجت .. لابد من مغترب آخر ...كل ما علي فعله أن أرسل بعض المال وأنمو بطلاً في أعماقهم بينما أنا أصغر في أعماقي حد التقزم ... لِمَ علي العودة ... لا أريد .. ( بشكل مفاجئ ) .. سأرى مواعيد الطائرات .. قد أجد مكاناً .. هناك ازدحاماً على كل حال سنرى .. سنرى ...

    ( يتوجه الى يسار المنصة .. يدفع باباً مفترض لايفتح .. يبدأ بالدق عليه حتى يبدو عليه الإحباط والفشل ) .....



    إظـــلام







    ( إضاءة عامة اخرى وهو يبحث في الأشياء المرمية .. يخرج جاكيت أخرى يبحث في جيبه العلوي الصغير يخرج ربطة عنق أخرى – ببيونة – يضعها ويلبس الجاكيت ) ...

    هذا المكان يصلح كمقر لمن يخالفوني من أبناء جلدتي .. أو قُل لشركة جديدة احدثها أو شيء من هذا القبيل ...


    ( يجد محفظة جلدية من خلال استمراره بالبحث فيقوم بحملها .. ينظر حوله متفحصاً ) ..... ...هناك أعمال هامة بانتظاري .. آلّا .. من يفكر بها الآن أو بغيرها لتحل عليهم اللعنة جميعاً بمن فيهم أم بافل ... ( ينفجر ضاحكاً )...
    يدفع بيده بثقة عالية باب وهمي .. أصوات .. أبواب تفتح بشكل متتالي .. يغادر ...

    إظـــلام



    ( تفتح الإضاءة على المنصة لثوان .. يدخل بهدوء وبقرار في عينيه .. يبدأ في خلع ثيابه قطعة قطعة بعد أن يرمي الحقيبة بعيداً .. يبحث في الأغراض المهملة بهمة يجد قيد للقدمين .. يضعه في قدميه ويمد يده وينزل قميص المجانين ويلبسه عاقداً إياه .. ويستوي متربعاً على الأرض ... )

    توقفوا .. توقفوا .. أقول لكم توقفوا ... ( كمن يبعد عن نفسه أشخاصاً ما .. )

    الخسارة قد تكون اكثر شرفاً من ربح وفير ... انا أعلم لست مدنياّ .. لست حضارياً .. لست متصالحاً .. دعوني بجنوني .. أستطيع الإنجاب مع جنوني .. مازلت أستطيع صناعة ذلك
    القرص الذهبي البهي .. أيام قلائل وتمضي ... مجرد زمن ويمضي .. سيأتي بعده زمن آخر بخسائر أكبر .. في المرة الماضية أكون قد جننت .. في المرة القادمة سيكون هناك شيئاً ما أقل سطوعاً وأكثر قدرة .. سأعتاد على الجنون .. سأكمل مجنوناً .. في المرة القادمة سيكون الأمر أقل رهبة بل روتيني وأكثر فاعلية .. هذا ما احلم به .. الفاعلية .. دعوني من الشعر من الأدب من المسرح منكم انتم بالذات .. ابتعد عني .. هيا .. ابتعد عني .... لا ..لاااااا ... لا ... لاااااا ...

    إظـــلام

    النهاية
    23/ 12 / 2005

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت مايو 11, 2024 2:12 am